في عام 1963م، تعرَّض المطرب الشاب عبد الحليم حافظ لواحدة من أزماته المرضية الشديدة، وقيل إن الفنان عمر الشريف هو المسؤول عن تلك الأزمة؛ لأنه اصطحبه لسهرة طويلة غير بريئة، وقتها كتب الكاتب الصحفي الكبير محمد التابعي مقالًا هاجم فيه عمر الشريف لتهوره واستهتاره وعدم مراعاة صحة صديقه، لكن عبد الحليم حافظ – بعد تعافيه – كتب خطابًا لـ«التابعي» يبرِّئ فيه صديقه ممَّا حدث.
قبل تلك القصة، كتب الأستاذ التابعي مقالًا شهيرًا بعنوان: الدجاجة التي تبيض ذهبًا.. والمقصود هو عبد الحليم حافظ وعلاقته بأسرته، التي تستغله لجني المال دون مراعاة لحالته الصحية.
بالطبع لم تكُن تربط «التابعي» وعبد الحليم علاقة صداقة قوية؛ فهما من أجيال وأذواق مختلفة، لكن كما هو واضح كان الكاتب الكبير يحرص على صحة الفنان الشاب ويقف بجانبه ويدعمه.
لذلك قد يبدو مستغربًا لأقصى حد إذا عرفنا أن الأستاذ محمد التابعي شنَّ حملة شعواء على عبد الحليم حافظ وصفه فيها بـ«التافه» و«المغرور»!
حدث ذلك في يناير سنة 1966م، والبداية في عدد يوم 8 من جريدة أخبار اليوم؛ حيث كتب الأستاذ التابعي فقرة في مقاله الأسبوعي تحت عنوان: شفاه الله.. وفيها يتحدَّث – دون ذكر أسماء – عن ذلك المطرب المشهور في أوساط المراهقين والمراهقات، والمعروف بكثرة أمراضه، لكن – كما يقول «التابعي» – مرضه الأخطر هو «الغرور»، بعد «أن أقبلت عليه الدنيا وأصبح له رصيد كبير في البنوك وامتلك شقة كبيرة أثَّثها بعشرات الألوف من الجنيهات»، ذلك الأثاث الذي ثارت حوله شبهات كثيرة عن طريقة استيراده، وكان سببًا في استبعاده من حفلات ثورة يوليو في صيف عام 1965م، ومع أن الصحافة والصحفيين دافعوا عنه في تلك القضية فإنه هاجمهم بما لا يليق.
إشارة «التابعي» تبدو غامضة بعض الشيء؛ حيث لم يحدد مَن هو المطرب المعروف وماذا قال حتى يهاجمه هكذا، وهو الأمر الذي أوضحه الكاتب الصحفي الكبير موسى صبري في يومياته بجريدة الأخبار، عدد يوم 12 يناير، وكتب تحت عنوان «اللفظ.. سعد» أن الأستاذ التابعي كتب يهاجم عبد الحليم حافظ دون أن يذكر اسمه بسبب ما قاله عن الصحافة والصحفيين في برنامج «على الناصية»، وهذا التجاهل من «التابعي» دليل على أن ما قاله المطرب الشاب تزيُّد ليس له داعٍ أبدًا، خصوصًا أنهم نشروا له كل بياناته حول موضوع التهريب بكل أمانة، وأضاف «صبري» بالنص: «لو غنَّى عبد الحليم كما يتكلم لما استمع إليه أحد»!
– ملاحظة: لم أستطِع التوصُّل إلى نص ما قاله عبد الحليم حافظ في البرنامج الشهير.
عند هذا الحد، كان يمكن أن ينتهي الموضوع ويُنسى، لكن على ما يبدو أن ما كتبه الأستاذ التابعي بحق عبد الحليم استفز الأخير فقرر أن يرد بقوَّة، وهو ما حدث عندما أدلى بتصريحات لإحدى المجلات اللبنانية (لا يشير أحد إلى اسمها)، حيث قال: «إن التابعي من جيل غربت شمسه، وأنا لا أحب هذا الجيل»!
وكان بالطبع لزامًا على «التابعي» أن يرد، وقد جاء رده قاسيًا إلى أقصى حد؛ فكتب في عدد يوم 15 يناير في جريدة أخبار اليوم تحت عنوان «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه» أنه في زمن آخر كان يهتم بالرد على عمالقة الأدب والفن والصحافة، أمثال عبد القادر حمزة وعباس محمود العقاد وكامل الشناوي ومحمد عبد الوهاب، أما أن يرد على ذلك «التافه الذي جاء من عرض الطريق»،«هذا الناكر للجميل»،«المحدث النعمة»،«المريض بداء الغرور».. فإنه لن يفعل!
وأضاف «التابعي» أن أحد الأصدقاء المشتركين نقل له – على لسان عبد الحليم – أن المجلة اللبنانية حرَّفت تصريحاته وأنها أجرت على لسانه ما لم يقُله، فطلب «التابعي» من ذلك الصديق أنه سيعتبر الموضوع منتهيًا لو أرسل له المطرب المغرور خطابًا ينشره في مقال له ينفي فيه كل ما نُقل عنه.
وفي فقرة أخرى، نقل الأستاذ التابعي مشهدًا وقع بين ذلك المطرب وبين «معجزة الغناء، المطربة العظيمة» (أم كلثوم بالطبع)؛ حيث تقابلا في حفلة من حفلاتها وخلال الاستراحة دخل عليها ليحييها فمدت له أطراف أصابعها، فسألها: هو انتي لسَّه زعلانة مني؟ فردت عليه: هو فيه حد يزعل من أمثالك؟
وكان المطرب المغرور – كما يقول «التابعي» ويؤكد – قد وصف«معجزة الغناء» (ومعها عملاق الموسيقىمحمد عبد الوهاب) أنهما أمسيا من الغاربين الذين غربت شمسهم.
وعلى ما يبدو، فإن عبد الحليم حافظ رفض كتابة ذلك الخطاب/ الاعتذار، فما كان من «التابعي» إلا أن نشر عدة رسائل لقراء يهاجمون فيها عبد الحليم حافظ مباشرةً وبالاسم.
في يومياته بجريدة الأخبار، عدد 25 يناير، كتب التابعي تحت عنوان «حول صاحبنا إياه»، يقول إنه قرر تجاهل الموضوع تمامًا استجابةً لرغبة «صديق عزيز»، لكن كثيرًا من القراء ألحوا في التعليق على الموضوع واعتبروا هذا من حقهم كقراء ومتابعين له وهو لا يملك إلا أن يستجيب، وبالفعل نشر ثلاث رسائل، أولاها من قارئ يُدعى حسن علي حسين، مدرس لغة إنجليزية بالجيزة، يقول فيها إن الصحافة مسؤولة عن إصابة ذلك المطرب بالغرور، حيث تنشر كل أخباره – المهم منها وغير المهم – باهتمام كبير وتبرزها بشكل لا ضرورة له، وهو الأمر الذي جعله يتوهم أنه أصبح ينافس«الكبار».
والرسالة الثانية كانت من «أشهر قارئ صحف في مصر، الأستاذ عيسى متولي، أمين مكتبة بنك مصر»، وكان تعليقه ببيت شعر قديم:
لا يضير البحر أمسى زاخرا
إن رمى فيه غلام بحجر
أما الرسالة الثالثة فكانت من الأستاذ محمد مصطفى غنيم، رئيس قسم الشؤون الخارجية بأخبار اليوم، وفيها يقول: إن هيئة الإذاعة البريطانية أرادت قبل عامين إعداد برنامج عن الغناء في مصر، واستعانت بالملحق الصحفي بسفارتنا هناك، الدكتور محمد أنيس (لا أعلم إن كان هو نفسه أستاذ التاريخ المعروف أم لا)، وبالطبع وقع اختيارهم على الموسيقار محمد عبد الوهاب ليظهر في البرنامج، باعتباره أهم فنان وقتها، لكن – وكما يقول الأستاذ «غنيم» – عبد الحليم حافظ عندما علم بذلك، وكان موجودًا في لندن للعلاج، ثار على الدكتور أنيس، فكيف يقول إن عبد الوهاب هو أهم فنان في مصر؟! وهدده بالويل والثبور، بل ووجه له ألفاظًا نابية!
على هامش تلك المعركة – التي لا نعلم كيف انتهت – زجَّ الأستاذ محمد التابعي اسم عمر الشريف فيها، ولكن بطريقة غير تلك التي فعلها عندما هاجمه قبل ذلك عام 1963م؛ ففي تلك الأيام كان اسم «الشريف» يحلِّق في السماء بسبب دوره في فيلم «دكتور زيفاجو» الناجح، وفي عدد يوم 18 يناير من جريدة الأخبار كتب الأستاذ التابعي في يومياته تحت عنوان لافت: عمر الشريف وتواضعه، يشيد به وبفيلمه متوقعًا له نجاحًا كبيرًا في السينما العالمية، وفي آخر فقرة يقول إن السبب الرئيس في نجاحه هو تواضعه وأدبه؛ فهو لم يقُل يومًا إنه «فوق النقد.. أو فوق القوانين.. أوفوق الصحافة والصحفيين».
* * *